فصل: فصل ومنها الدياس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 كتاب الإجارة فيه ثلاثة أبواب

 الباب الأول في أركانها وهي أربعة

الأول العاقدان ويعتبر فيهما العقل والبلوغ كسائر التصرفات‏.‏

الركن الثاني الصيغة وهي أن يقول أكريتك هذه الدار أو آجرتكها مدة كذا بكذا فيقول على الاتصال قبلت أو استأجرت أو اكتريت ولو أضاف إلى المنفعة فقال أجرتك أو أكريتك منافع هذه الدار فوجهان أصحهما الجواز وبه قطع في الشامل وذكر المنفعة تأكيد كقوله بعتك عين هذه الدار أو رقبتها فانه يصح البيع والثاني المنع وبه قطع الإمام لأن لفظ الإجارة وضع مضافاً إلى العين وإن كان العقد في الذمة فقال ألزمت ذمتك كذا فقيل جاز وأغنى عن لفظ الإجارة والإكراء وإن تعاقد بصيغة التمليك نظر إن أضاف إلى المنفعة فقال ملكتك منفعتها شهراً جاز على الصحيح المعروف فان الإجارة تمليك منفعة بعوض ولو قال بعتك منفعة هذه الدار شهراً فوجهان قال ابن سريج يجوز لان الإجارة صنف من البيع والأصح المنع لأن البيع موضوع لملك الأعيان فلا يستعمل في المنافع كما لا ينعقد البيع بلفظ الإجارة وقيل وبالمنع قطعاً‏.‏

الركن الثالث الأجرة فالإجارة قسمان واردة على العين كمن استأجر دابة بعينها ليركبها أو يحمل عليها أو شخصاً بعينه لخياطة ثوب أو بناء الحائط وواردة على الذمة كمن أستأجر دابة موصوفة للركوب أو الحمل أو قال ألزمت ذمتك خياطة هذا الثوب أو بناء الحائط فقبل وفي قوله استأجرتك لكذا أو لتفعل كذا وجهان أصحهما أن الحاصل به إجارة عين للإضافة إلى المخاطب كما لو قال استأجرت هذه الدابة والثاني إجارة ذمة وعلى هذا إنما تكون إجارة عين إذا زاد فقال استأجرت عينك أو نفسك لكذا أو لتعمل بنفسك كذا وإجارة العقار لا تكون إلا إجارة عين لأنه لا يثبت في الذمة ولهذا لا يجوز السلم في أرض ولا دار‏.‏

إذا وردت الإجارة على العين لم يجب تسليم الأجرة في المجلس كما لا يشترط تسليم الثمن في البيع ثم إن كانت في الذمة فهي كالثمن في الذمة في جواز الاستبدال وفي أنه إذا شرط فيها التأجيل أو التنجيم كانت مؤجلة أو منجمة وإن شرط التعجيل كانت معجلة وإن أطلق فمعجلة وملكها المكري بنفس العقد استحق استيفاءها إذا سلم العين إلى المستأجر واستدل الأصحاب بأن المنافع موجودة أو ملحقة بالموجود ولهذا صح العقد عليها وجاز أن تكون الأجرة ديناً وإلا لكان بيع دين بدين‏.‏

فرع يشترط العلم بقدر الأجرة ووصفها إذا كانت في الذمة كالثمن في الذمة‏.‏

فلو قال اعمل كذا لأرضيك أو أعطيك شيئاً وما أشبهه فسد العقد وإذا عمل استحق أجرة المثل‏.‏

ولو استأجره بنفقته أو كسوته فسد‏.‏

ولو استأجره بقدر من الحنطة أو الشعير وضبطه ضبط السلم جاز ولو استأجره بأرطال خبز بني على جواز السلم في الخبز‏.‏

ولو آجر الدار بعمارتها أو الدابة بعلفها أو الأرض بخراجها ومؤنتها أو بدراهم معلومة على أن يعمرها ولا يحسب ما أنفق من الأجرة لم يصح‏.‏

ولو أجرها بدراهم معلومة على أن يصرفها إلى العمارة لم يصح لأن الأجرة الدراهم مع الصرف إلى العمارة وذلك عمل مجهول ثم إذا صرفها في العمارة رجع بها‏.‏

ولو أطلق العقد ثم أذن له في الصرف إلى العمارة وتبرع به المستأجر جاز فإن اختلفا في قدر ما أنفق فقولان في أن القول قول من ولو أعطاه ثوبا وقال إن خطته اليوم فلك درهم أو غداً فنصف فسد العقد ووجبت أجرة المثل متى خاطه ولو قال إن خطته رومياً فلك درهم أو فارسياً فنصف فسد والرومي بغرزتين والفارسي بغرزة‏.‏

فرع إذا أجلا الأجرة فحلت وقد تغير النقد اعتبر نقد يوم العقد وفي الجعالة الاعتبار بيوم اللفظ على الأصح وقيل بوقت تمام العمل لأن الاستحقاق يثبت بتمام العمل‏.‏

فرع هذا الذي سبق إذا كانت الأجرة في الذمة فلو كانت معينة ملكت في الحال كالمبيع واعتبرت فيها الشرائط المعتبرة في المبيع حتى لو جعل الأجرة جلد شاة مذبوحة قبل السلخ لم يجز لأنه لا يعرف صفته في الرقة والثخانة وغيرهما وهل تغني رؤية الأجرة عن معرفة قدرها فيه طريقان أحدهما على قولي رأس مال السلم والثاني القطع بالجواز وهو المذهب‏.‏

 فصل الإجارة الواردة على الذمة

أما الإجارة الواردة على الذمة فلا يجوز فيها تأجيل الأجرة ولا الاستبدال عنها ولا الحوالة بها ولا عليها ولا الإبراء بل يجب التسليم في المجلس كرأس مال السلم لأنه سلم في المنافع فإن كانت الأجرة مشاهدة غير معلومة القدر فعلى القولين في رأس مال السلم هذا إذا تعاقدا بلفظ السلم بأن قال أسلمت إليك هذا الدينار في دابة تحملني إلى موضع كذا فإن عقدا بلفظ الإجارة بأن قال استأجرت منك دابة صفتها كذا لتحملني إلى موضع كذا فوجهان بنوهما على أن الاعتبار باللفظ أم بالمعنى أصحهما عند العراقيين وأبي علي والبغوي أنه كما لو عقدا بلفظ السلم ورجح بعضهم الآخر‏.‏

فرع يجوز أن تكون الأجرة منفعة سواء اتفق الجنس كما إذا أجر داراً بمنفعة دار أو اختلف بأن أجرها بمنفعة عبد ولا ربا في المنافع أصلا حتى لو أجر داراً بمنفعة دارين أو أجر حلي ذهب بذهب جاز ولا يشترط القبض في المجلس‏.‏

 فصل لا يجوز أن يجعل الأجرة شيئاً يحصل بعمل الأجنبي

كما لو استأجر السلاخ ليسلخ الشاة بجلدها أو الطحان ليطحن الحنطة بثلث دقيقها أو بصاع منه أو بالنخالة أو المرضعة بجزء من الرقيق المرتضع بعد الفطام أو قاطف الثمار بجزء منها بعد القطاف أو لينسخ الثوب بنصفه فكل هذا فاسد وللأجير أجرة مثله ولو استأجر المرضع بجزء من الرقيق في الحال أو قاطف الثمار بجزء منها على رؤوس الشجر أو كان الرقيق لرجل وامرأة فاستأجرها لترضعه بجزء منه أو بغيره جاز على الصحيح كما لو ساقى شريكه وشرط له زيادة من الثمر يجوز وإن كان يقع عمله في مشترك وقيل لا يجوز ونقله الإمام والغزالي عن الأصحاب لأن عمل الأجير ينبغي أن يقع في خاص ملك المستأجر وهو ضعيف قال البغوي لو استأجر شريكه في الحنطة ليطحنها أو الدابة ليتعهدها بدراهم جاز ولو قال استأجرتك بربع هذه الحنطة أو بصاع منها لتطحن الباقي قال المتولي والبغوي يجوز ثم يتقاسمان قبل الطحن فيأخذ الأجرة ويطحن الباقي ومثال هذه المسائل ما إذا استأجره لحمل الشاة المذكاة إلى موضع كذا بجلدها ففاسد أيضاً‏.‏

أما لو استأجره لحمل الميتة بجلدها فباطل لأنه نجس‏.‏

الركن الرابع المنفعة ولها خمسة شروط‏.‏

أحدها أن تكون متقومة‏.‏

وفيه مسائل‏.‏

أحدها استئجار تفاحة للشم باطل لأنها لا تقصد له فلم يصح كشراء حبة حنطة فإن كثر التفاح فالوجه الصحة لأنهم نصوا على جواز استئجار المسك والرياحين للشم ومن التفاح ما هو أطيب من كثير من الرياحين‏.‏

الثانية استئجار الدراهم والدنانير إن أطلقه فباطل وإن صرح بالاستئجار للتزيين فباطل أيضاً على الأصح واستئجار الأطعمة لتزيين الحوانيت باطل على المذهب وقيل فيه الوجهان وفي استئجار الأشجار لتجفيف الثياب عليها والوقوف في ظلها وربط الدواب فيها الوجهان قال بعضهم الأصح هنا الصحة لأنها منافع مهمة بخلاف التزيين واستئجار الببغاء للاستئناس قال البغوي فيه الوجهان وقطع المتولي بالجواز وكذا في كل ما يستأنس بلونه كالطاووس أو صوته كالعندليب‏.‏

الثالثة استئجار البياع على كلمة البيع أو كلمة يروج بها السلعة ولا تعب فيها باطل إذ لا قيمة لها قال الإمام محمد بن يحيى هذا في مبيع مستقر القيمة في البلد كالخبز واللحم أما الثياب والعبيد وما يختلف قدر الثمن فيه باختلاف المتعاقدين فيختص بيعها من البياع لمزيد منفعة وفائدة فيجوز الاستئجار عليه ثم إذا لم يجز الاستئجار ولم يتعب البياع فلا شيء له وإن تعب بكثرة التردد أو كثرة الكلام في أمر المعاملة فله أجرة المثل لا ما تواطأ عليه البياعون‏.‏

الرابعة استئجار الكلب المعلم للصيد والحراسة باطل على الأصح وقيل يجوز كالفهد والبازي والشبكة للاصطياد والهرة لدفع الفار‏.‏

الشرط الثاني أن لا يتضمن استيفاء عين قصداً ومقصوده أن الإجارة عقد تراد به المنافع دون الأعيان هذا هو الأصل إلا أنه قد تستحق بها الأعيان تابعه به لضرورة أو حاجة ماسة فتلحق تلك الأعيان حينئذ بالمنافع وفيه مسائل‏.‏

إحداها استئجار البستان لثماره والشاة لنتاجها أو صوفها أو لبنها باطل‏.‏

الثانية الاستئجار لإرضاع الطفل جائز ويستحق به ومنفعة عين‏.‏

فالمنفعة أن تضع الصبي في حجرها وتلقمه الثدي وتعصره بقدر الحاجة والعين اللبن الذي يمصه الصبي وإنما جوز لمسيس الحاجة أو الضرورة وفي الأصل الذي تناوله العقد وجهان أحدهما اللبن وأما فعلها فتابع لأن اللبن مقصود لعينه وفعلها طريق إليه وأصحهما أنه فعلها واللبن مستحق تبعاً لقول الله تعالى ‏"‏ فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ‏"‏ علق الأجرة بفعل الإرضاع لا باللبن ولأن الإجارة موضوعة للمنافع وإنما الأعيان تتبع للضرورة كالبئر تستأجر ليستقى ماؤها والدار تستأجر وفيها بئر يجوز الاستقاء منها ثم إن استأجرها للحضانة مع الإرضاع جاز وإن استأجر للإرضاع ونفى الحضانة فوجهان أحدهما المنع كاستئجار الشاة لإرضاع سخلة وأصحهما الجواز وبه قطع الأكثرون كما يجوز الاستئجار لمجرد الحضانة قال الإمام وهذا الخلاف إذا قصر الإجارة على صرف اللبن إلى الصبي وقطع عنه وضعه في حجرها ونحوه فأما الحضانة بالتفسير الذي سنذكره إن شاء الله تعالى فيجوز قطعها عن الإرضاع بلا خلاف‏.‏

الثالثة استئجار الفحل للضراب حكمه ما ذكرناه في كتاب البيع في باب المناهي‏.‏

الرابعة استئجار القناة للزراعة بمائها جائز لأنا إن قلنا الماء لا يملك فكالشبكة للاصطياد وإلا فالمنافع آبار الماء وقد جوز واستئجار بئر الماء للاستقاء والتي بعدها مستأجرة لإجراء الماء فيها وقال الروياني إذا اكترى قرار القناة ليكون أحق بمائها جاز في وجه وهو الاختيار والمعروف منعه ومقتضى لفظه أن يكون تعريفاً على أن الماء لا يملك‏.‏

الشرط الثالث أن تكون المنفعة مقدوراً على تسليمها فاستئجار الآبق والمغصوب والأخرس للتعليم والأعمى لحفظ المتاع إجارة عين ومن لا يحسن القرآن لتعليمه باطل فإن وسع عليه وقتاً يقدر على التعلم قبل التعليم فباطل أيضاً على الأصح لأن المنفعة مستحقة من عينه والعين لا تقبل التأخير وإذا استأجر أرضاً للزراعة اشترط كون الزراعة متيسرة والأرض أنواع‏.‏

منها أرض لها ماء دائم من نهر أو عين أو بئر ونحوها‏.‏

ومنها أرض لا ماء لها لكن يكفيها المطر المعتاد والنداوة التي تصيبها من الثلوج المعتادة أو لا يكفيها ذلك لكنها تسقى بماء الثلج والمطر في الجبل والغالب فيها الحصول‏.‏

ومنها أرض لا ماء لها ولا تكفيها الأمطار المعتادة ولا تسقى بماء غالب الحصول من الجبل ولكن إن أصابها مطر عظيم أو سيل نادراً أمكن زرعها فالنوع الأول يصح استئجاره قطعاً والثالث لا يصح قطعاً وفي الثاني وجهان أصحهما الجواز وبه قطع القاضي حسين وابن كج وصاحب المهذب بالمنع أجاب القفال‏.‏

ومنها أرض على شط النيل والفرات وغيرهما يعلو الماء عليها ثم ينحسر ويكفي ذلك لزراعتها في السنة فإن استأجرها للزراعة بعدما علاها الماء وانحسر صح وإن كان قبل أن يعلوها الماء فإن كان لا يوثق به كالنيل لا ينضبط أمره لم يصح وإن كان الغالب حصوله فليكن على الخلاف في النوع الثاني وإن كان موثوقاً به كالمد بالبصرة صح كماء النهر فإن تردد في وصول الماء إلى تلك الأرض لم يصح لأنه كالنوع الثالث وإن كان علاها ولم ينحسر فإن كان لا يرجى انحساره أو يشك فيه لم يصح استئجارها لأن العجز موجود والقدرة مشكوك فيها وإن رجي انحساره وقت الزراعة بالعادة صحت الإجارة على المذهب والمنصوص سواء كانت الإجارة لما يمكن زراعته في الماء كالأرز أم لغيره وسواء كان رأى الأرض مكشوفة أم هي مرئية الآن لصفاء الماء أم لم يكن شيء من ذلك وقيل إن لم تر لم يصح في قول وقيل لا يصح لغير الأرز ونحوه وحجة مذهب القياس على ما لو استأجر داراً مشحونة بأمتعة يمكن الاشتغال بنقلها في الحال فإنه يجوز على الصحيح أما إذا لم تكن مؤنة فلأن استتارها بالماء من مصالحها فإنه يقويها ويقطع العروق المنتشرة فأشبه استتار الجوز بقشره أما إذا كانت الأرض على شط نهر والظاهر أنها تغرق وتنهار في الماء فلا يجوز استئجارها فإن احتمل ولم يظهر جاز لأن الأصل والغالب السلامة ويجوز أن تخرج حالة الظهور على تقابل الأصل والظاهر‏.‏

إذا عرفت حكم الأنواع فكل أرض لها ماء معلوم واستأجرها للزراعة مع شربها منه فذاك وإن استأجرها للزراعة دون شربها جاز إن تيسر سقيها من ماء آخر وإن أطل دخل فيه الشرب بخلاف ما إذا باعها لا يدخل الشرب لأن المنفعة هنا لا تحصل دون الشرب هذا إذا طردت العادة بالإجارة مع الشرب فإن اضطربت فسيأتي حكمه في الباب الثاني إن شاء الله تعالى وكل أرض منعنا استئجارها للزراعة فلو اكتراها لينزل فيها أو يسكنها أو يجمع الحطب فيها أو يربط الدواب جاز وإن اكتراها مطلقاً نظر إن قال أكريتك هذه الأرض البيضاء ولا ماء لها جاز لأنه يعرف بنفي الماء أن الإجارة لغير الزراعة ثم لو حمل ماء من موضع وزرعها أو زرعها على توقع حصول ماء لم يمنع وليس له البناء والغراس فيها نص عليه وإن لم يقل لا ماء لها فإن كانت بحيث يطمع في سوق الماء إليها لم يصح العقد لأن الغالب في مثلها الاستئجار للزراعة فكأنه ذكرها وإن كانت على قلة جبل لا يطمع في سوق الماء إليها صحح العقد على الأصح اكتفاء بالقرينة وإذا اعتبرنا نفي الماء ففي قيام علم المتعاقدين مقام التصريح بالنفي وجهان أصحهما المنع لأن العادة في مثلها الاستئجار للزراعة فلا بد من الصرف باللفظ‏.‏

واعلم أن في المسألة تصريحاً بجواز الاستئجار مطلقاً من غير بيان جنس المنفعة وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى‏.‏

 فصل الإجارة

قسمان قد عرفت انقسام الإجارة إلى واردة على العين وعلى الذمة‏.‏

وكذا إذا قال أجرتك سنة أولها من غد أو أجرتك هذه الدابة للركوب إلى موضع كذا على أن تخرج غداً ولو قال أجرتك سنة فإذا انقضت فقد أجرتك سنة أخرى فالعقد الثاني باطل على الصحيح كما لو قال إذا جاء رأس الشهر فقد أجرتك شهراً‏.‏

أما الواردة على الذمة فيحتمل فيها التأجيل والتأخير كما إذا قال ألزمت ذمتك حملي إلى موضع كذا على دابة صفتها كذا غداً أو غرة شهر كذا كما لو أسلم مؤجلا وإن أطلق كانت حالة ولو أجر داره لزيد سنة ثم أجرها لغيره السنة المستقبلة قبل انقضاء الأولى لم يصح وإن أجرها لزيد نفسه فوجهان وقيل قولان أصحهما الجواز لاتصال المدتين ولو أجرها أولا لزيد سنة ثم أجرها زيد لعمرو ثم أجرها المالك لعمرو السنة المستقبلة قبل انقضاء الأولى ففيه الوجهان ولا يجوز إجارتها لزيد كذا قاله البغوي وفي فتاوى القفال أنه يجوز أن يؤجرها لزيد ولا يجوز أن يؤجرها لعمرو لأن زيداً هو الذي عاقده فيضم إلى ما استحق بالعقد الأول السنة المستقبلة قال ولو أجر داره سنة ثم باعها في المدة وجوزناه لم يكن للمشتري أن يؤجرها السنة المستقبلة للمستأجر لأنه لم يكن بينهما معاقدة وتردد في أن الوارث هل يتمكن منه إذا مات المكري لأن الوارث نائبه إيجار الدار والحانوت شهراً على أن ينتفع بهما الأيام دون الليالي باطل لأن زمان الانتفاع لا يتصل بعضه ببعض فيكون إجارة زمن مستقبل بخلاف مثله في العبد والبهيمة فإنه يجوز لأنهما لا يطيقان العمل دائماً ويرفهان في الليل على العادة عند إطلاق الإجارة‏.‏

ولو أجر دابة إلى موضع ليركبها المكري زماناً ثم المكتري زماناً لم يصح لتأخر حق المكتري وتعلق الإجارة بمستقبل وإن أجره ليركب المكتري بعض الطريق وينزل فيمشي بعضها أو أجر اثنين ليركب هذا زماناً وهذا مثله ففيه أربعة أوجه‏.‏

أصحها وهو المنصوص في الأم صحت الإجارة في الصورتين سواء وردت الإجارة على الذمة أو العين ويثبت الاستحقاق في الحال ثم يقتسم المكري والمكتري أو المكتريان ويكون التأخر الواقع من ضرورة القسمة والتسليم فلا يضر‏.‏

والثاني تصح في الصورة الثانية دون الأولى لاتصال زمن الإجارة في الثانية دون الأولى‏.‏

والثالث تبطل فيهما لأنها إجارة أزمان متقطعة‏.‏

والرابع تصح في الصورتين إن كانت مضمونة في الذمة ولا تصح على دابة معينة وهذه المسألة تعرف بكراء العقب وهو جمع عقبة وهي النوبة فإذا قلنا بالجواز فإن كان في ذلك الطريق عادة مضبوطة إما بالزمان بأن يركب يوماً وينزل يوماً وإما بالمسافة بأن يركب فرسخاً ويمشي فرسخاً حمل العقد عليها وليس لأحدهما أن يطلب الركوب ثلاثاً والنزول ثلاثاً لما في دوام المشي من التعب وإن لم تكن عادة مضبوطة فلا بد من البيان في الابتداء وإن اختلفا فيمن يبدأ بالركوب أقرع ولو أكرى دابة لاثنين ولم يتعرض للتعاقب قال المتولي إن احتملت الدابة ركوب شخصين اجتمعا على الركوب وإلا فالرجوع إلى المهايأة كما سبق ولو قال أجرتك نصف الدابة إلى موضع كذا أو أجرتك الدابة لتركبها نصف الطريق صح ويقتسمان بالزمان أو المسافة وهذه إجارة المشاع وهي صحيحة كبيع المشاع وحكي وجه أن إجارة نصف الدابة لا تصح للتقطع بخلاف إجارة نصف الدار وبخلاف ما إذا أجرهما ليركبا في محمل‏.‏

فرع لا تصح إجارة ما لا منفعة فيه في الحال ويصير منتفعاً به في المدة كالجحش لأن الإجارة موضوعة على تعجيل الانتفاع بخلاف المساقاة‏.‏

 فصل العجز الشرعي كالحسي

فلا يصح الاستئجار لقلع سن صحيحة أو قطع يد صحيحة ولا استئجار الحائض لكنس المسجد وخدمته ولا استئجار أحد لتعليم التوراة والإنجيل أو السحر فرع قلع السن الوجعة إنما يجوز إذا صعب الألم وقال أهل الخبرة إنه يزيل الألم وقطع اليد المتآكلة إنما يجوز إذا قال أهل الخبرة إنه نافع ومع ذلك ففيه خلاف وتفصيل يأتي إن شاء الله تعالى في باب ضمان الولاة من كتاب الجنايات فحيث لا يجوز القلع أو القطع فالاستئجار له باطل وحيث يجوز يصح الاستئجار على الأصح ووجه المنع أنه لا يوثق ببقاء العلب فربما زالت بتعذر الوفاء وسبيل مثل هذا أن يحصل بالجهالة فيقول اقلع سني هذه ولك كذا ورأى الإمام تخصيص الوجهين بالقلع لأن زوال الوجع في ذلك الزمن غير بعيد بخلاف الأكلة فإنه غير محتمل في زمن القطع ويجري الوجهان في الاستئجار للفصد والحجامة وبزغ الدابة لأن هذه الإيلامات إنما تباح بالحاجة وقد تزول الحاجة‏.‏

فرع استأجرها لكنس المسجد فحاضت انفسخ العقد إن أستأجر عينها وعينت المدة وإن استأجرها في الذمة لم ينفسخ لإمكان الكنس بغيرها أو بعد الحيض وإذا جوزنا الاستئجار لقلع السن فسكن الوجع وبرأ انفسخت الإجارة للتعذر على المذهب وفيه كلام يأتي إن شاء الله تعالى في القسم الثالث من الباب الثالث وإن لم يبرأ لكن امتنع المستأجر من القلع قال في الشامل لا يجبر عليه إلا أنه إذا سلم الأجير نفسه ومضى مدة إمكان العمل وجب على المستأجر الأجرة ثم ذكر القاضي أبو الطيب أنها لا تستقر حتى لو انقلعت تلك السن انفسخت الإجارة ووجب رد الأجرة كما لو مكنت الزوجة في النكاح ولم يطأ الزوج ويفارق ما إذا حبس الدابة مدة إمكان السير حيث تستقر عليه الأجرة لتلف المنافع تحت يده‏.‏

قلت هذا الذي نقله عن صاحب الشامل إلى آخر كلام القاضي أبي الطيب هكذا هو في الشامل والبيان‏.‏

فإن قيل قد قال الشيخ نصر المقدسي في تهذيبه إذا امتنع المستأجر من قلعه لم يكن له فسخ العقد لكن يدفع الأجرة وله الخيار بين مطالبته بقلعه وبين تركه كما لو استأجره ليخيط له ثوبا قلنا هذا الذي قاله لا يخالف قول صاحب الشامل والله أعلم‏.‏

 فصل يجوز لغير الزوج استئجار الزوجة للإرضاع

وغيره بإذن الزوج ولا يجوز بغير إذنه على الأصح لأن أوقاتها مستغرقة بحقه والثاني يصح وللزوج فسخه حفظاً لحقه ولو أجرت نفسها ولا زوج لها ثم نكحت في المدة فالإجارة بحالها وليس للزوج منعها من توفية ما التزمته كما لو أجرت نفسها بإذنه لكن يستمتع بها في أوقات فراغها فإن كانت الإجارة للإرضاع فهل لولي الطفل الذي استأجرها لإرضاعه منع الزوج من وطئها فيه وجهان أحدهما نعم لأنه ربما حبلت فينقطع اللبن أو يقل وإلا فيضر بالطفل والثاني لا وبه قطع العراقيون لأن الحبل متوهم فلا يمنع به الوطء المستحق فإن منعناه فلا نفقة عليه في تلك المدة‏.‏

قلت الأصح قول العراقيين والله أعلم‏.‏

ولو أجر أمته المزوجة جاز ولم يكن للزوج منعها من المستأجر لأن يده يد السيد في الانتفاع‏.‏

أما الزوج فيجوز استئجاره امرأته إلا إذا استأجرها لإرضاع ولده منها ففيه وجهان أحدهما المنع وبه قطع العراقيون وأصحهما الجواز كما لو استأجرها بعد البينونة وكما لو استأجرها للطبخ ونحوه وعلى هذا الخلاف استئجار الوالد ولده للخدمة وفي عكسه وجهان إن كانت الإجارة على عينه كالوجهين فيما إذا أجر المسلم نفسه لكافر‏.‏

الشرط الرابع حصول المنفعة للمستأجر وأكثر العناية في هذا الشرط بالقرب وضبطها الإمام فقال هي قسان‏.‏

أحدهما قرب يتوقف الاعتداد بها على النية فما لا تدخله النيابة منها لا يجوز الاستئجار عليه وما تدخله النيابة جاز الاستئجار عليه كالحج وتفرقة الزكاة قال الإمام ومن هذا غسل الميت إذا أوجبنا فيه النية‏.‏

القسم الثاني ما لا يتوقف صحته على النية وهو نوعان‏.‏

فرض كفاية وشعار غير فرض والأول ضربان‏.‏

أحدهما يختص افتراضه في الأصل بشخص وموضع معين ثم يؤمر به غيره إن عجز كتجهيز الموتى بالتكفين والغسل والحفر وحمل الميت ودفنه فإن هذه المؤن تختص بالتركة فإن لم تكن فعلى الناس القيام بها فمثل هذا يجوز الاستئجار عليه لأن الأجير غير مقصود بفعله حتى يقع عنه ومن هذا تعليم القرآن فإن كل أحد لا يختص بوجوب التعليم وإن كان نشر القرآن وإشاعته من فروض الكفاية وهذا كله إذا لم يتعين واحد لمباشرة هذه الأعمال فإن تعين واحد لتجهيز الميت أو تعليم الفاتحة جاز استئجاره أيضاً على الأصح كالمضطر يجب إطعامه ببدله وقيل لا كفرض العين ابتداء‏.‏

الضرب الثاني ما يثبت فرضه في الأصل شائعاً غير مختص كالجهاد فلا يجوز استئجار المسلم عليه ويجوز استئجار الذمي على الصحيح‏.‏

النوع الثاني شعار غير فرض كالأذان تفريعاً على الأصح وفي جواز الاستئجار المسلم عليه ثلاثة أوجه ذكرناها في بابه فإن جوزنا فعلى أي شيء يأخذ الأجرة فيه أوجه أصحها على جميع الأذان بجميع صفاته ولا يبعد أخذ الأجرة على ذكر الله تعالى كتعليم القرآن وإن اشتمل على قراءة المعلم والثاني على رعاية المواقيت والثالث على رفع الصوت والرابع على الحيلتين فإنهما ليستا ذكراً‏.‏

فرع الاستئجار لإمامة الصلوات المفروضة باطل وكذا للتراويح وسائر النوافل على الأصح لأنه مصل لنفسه ومتى صلى اقتدى به من أراد وإن لم ينو الإمامة وإن توقف على نيته شيء فهو إحراز فضيلة الجماعة وهذه فائدة تختص به ومن جوزه شبهه بالأذان في الشعار‏.‏

فرع الاستئجار للقضاء باطل‏.‏

فرع بطلان الاستئجار للتدريس أطلقوا القول ببطلان الاستئجار للتدريس وعن الشيخ أبي بكر الطوسي ترديد جواب في الاستئجار لإعادة الدرس قال الإمام ولو عين شخصاً أو جماعة ليعلمهم مسألة أو مسائل مضبوطة فهو جائز والذي أطلقوه محمول على استئجار من يتصدى للتدريس من غير تعيين من يعلمه وما يعلمه لأنه كالجهاد في أنه إقامة مفروض على الكفاية ثابت على الشيوع وكذلك يمتنع استئجار مقرئ يقرئ على هذه الصورة قال ويحتمل أن يجوز‏.‏

الشرط الخامس كون المنفعة معلومة العين والقدر والصفة فلا يجوز أن يقول أجرتك أحدهما ثم إن لم يكن للعين المعينة إلا منفعة فالإجارة محمولة عليها وإن كان لها منافع وجب البيان‏.‏

وأما الصفة فإجارة الغائبة فيها الخلاف السابق وأما القدر فيشترط العلم به سواء فيه إجارة العين والذمة ثم المنافع تقدر بطريقتين أحدهما الزمان كاستأجرت الدار للسكنى سنة والثاني العمل كاستأجرتك لتخيط هذا الثوب ثم قد يتعين الطريق الأول كاستئجار العقار فإن منفعته لا تنضبط إلا بالزمان وكالإرضاع فإن تقدير اللبن لا يمكن ولا سبيل فيه إلا الضبط بالزمان وقد يسوغ الطريقان كما إذا استأجر عين شخص أو دابة فيمكن أن يقول في الشخص ليعمل لي كذا شهراً وإن يقول ليخيط لي هذا الثوب وفي الدابة يقول لأتردد عليها في حوائجي اليوم أو يقول لأركبها إلى موضع كذا فأيهما كان كفى لتعريف المقدار فإن جمع بينهما فقال استأجرتك لتخيط لي هذا القميص اليوم فوجهان أصحهما بطلان العقد والثاني صحته وعلى هذا وجهان أصحهما يستحق الأجرة بأسرعهما فإن انقضى اليوم قبل تمام العمل استحقها وإن تم العمل قبل تمام اليوم استحقها والثاني الاعتبار بالعمل فإن تم العمل أولا استحقها وإن تم اليوم أولا وجب إتمامه فإن فإذا عرفت هذا فالمنافع متعلقة بالأعيان تابعة لها وعدد الأعيان التي يستأجر لها كالمتعذر فعني الأصحاب بثلاثة أنواع تكثر إجارتها ليعرف طريق الضبط بها ثم يقاس عليها غيرها‏.‏

النوع الأول الآدمي يستأجر لعمل أو صنعة كخياطة فإن كانت الإجارة في الذمة قال ألزمت ذمتك عمل الخياطة كذا يوماً لم يصح لأنه لم يعين خياطاً ولا ثوبا ولو استأجر عينه قال استأجرتك لتخيط هذا الثوب ولو قال لتخيط لي يوماً أو شهراً قال الأكثرون يجوز أيضاً ويشترط أن يبين الثوب وما يريد منه من قميص أو قباء أو سراويل والطول والعرض وأن يبين نوع الخياطة أهي رومية أو فارسية إلا أن تطرد العادة بنوع فيحمل المطلق عليه‏.‏

فرع من هذا النوع الاستئجار لتعليم القرآن فليعين السورة والآيات التي يعلمها فإن أخل بأحدهما لم يصح على الأصح وقيل لا يشترط تعيين واحد منهما بل يكفي ذكر عشر آيات مثلا وقيل تشترط السورة دون الآيات وهل يكفي التقدير بالمدة فيقول لتعلمني شهراً وجهان قطع الإمام والغزالي بالاكتفاء وإيراد غيرهما يقتضي المنع‏.‏

قلت الاكتفاء أصح وأقوى والله أعلم‏.‏

قال الإمام وكنت أود أن لا يصح الاستئجار للتعليم حتى يختبر حفظ المتعلم كما لا يصح إيجار الدابة للركوب حتى يعرف حال الراكب لكن ظاهر كلام الأصحاب أنه لا يشترط والحديث الصحيح يدل عليه في الذي تزوج على تعليم ما معه من القرآن وإنما يجوز الاستئجار لتعليم القرآن إذا كان المتعلم مسلماً أو كافراً يرجى إسلامه فإن لم يرج لم يعلم كما لا يباع المصحف لكافر فلا يصح الاستئجار‏.‏

فرع إذا كان يتعلم الشيء بعد الشيء ثم ينسى فهل على الأجير إعادة تعليمه فيه أوجه أحدها إن تعلم آية ثم نسيها لم يجب تعليمها ثانياً وإن كان دون آية وجب العرف والثاني الاعتبار بالسورة والثالث إن نسي في مجلس التعليم وجب إعادته وإن نسي بعده فلا والرابع يرجع فيه إلى العرف الغالب وهو الأصح‏.‏

فرع الاستئجار لقراءة القرآن على رأس القبر عن القاضي حسين في الفتاوى أن الاستئجار لقراءة القرآن على رأس القبر مدة جائز كالاستئجار للأذان وتعليم القرآن‏.‏

واعلم أن عود المنفعة إلى المستأجر شرط فيجب عودها في هذه الإجارة إلى المستأجر أو ميته فالمستأجر لا ينتفع بقراءة غيره ومعلوم أن الميت لا يلحقه ثواب القراءة المجردة فالوجه تنزيل الاستئجار على صورة انتفاع الميت بالقراءة وذكروا له طريقين‏.‏

أحدهما أن يعقب القراءة بالدعاء للميت لأن الدعاء يلحقه والدعاء بعد القراءة أقرب إجابة وأكثر بركة‏.‏

والثاني ذكر الشيخ عبد الكريم السالوسي أنه إن نوى القارئ بقراءته أن يكون ثوابها للميت لم يلحقه وإن قرأ ثم جعل ما حصل من الأجر له فهذا دعاء بحصول ذلك الأجر للميت فينفع الميت‏.‏

قلت ظاهر كلام القاضي حسين صحة الإجارة مطلقاً وهو المختار فإن موضع القراءة موضع بركة وبه تنزل الرحمة وهذا مقصود ينفع الميت والله أعلم‏.‏

 فصل الاستئجار للإرضاع

ومنه الاستئجار للإرضاع ويجب فيه التقدير بالمدة ولا سبيل إلى ضبط مرات الإرضاع ولا قدر ما يستوفيه في كل مرة فقد تعرض له الأمراض والأسباب الملهية ويجب تعيين الصبي لاختلاف الغرض باختلافه وتعيين موضع الإرضاع أهو بيته أم بيتها‏.‏

ومنه الاستئجار للحج وقد ذكرناه في بابه‏.‏

 فصل الاستئجار لحفر نهر أو بئر أو قناة

ومنه إذا استأجر لحفر نهر أو بئر أو قناة قدر إما بالزمان فيقول تحفر لي شهراً وإما بالعمل فيقدر الطول والعرض والعمق ويجب معرفة الأرض بالمشاهدة لتعرف صلابتها ورخاوتها ويجب عليه إخراج التراب المحفور فإن انهار شيء من جوانب البئر لم يلزمه إخراجه وإذا انتهى إلى موضع صلب أو حجارة نظر إن كان يعمل فيه المعول وجب حفره على الأصح وبه قال القاضي أبو الطيب والثاني لا يجب وبه قال ابن الصباغ لأنه خلاف ما اقتضته المشاهدة فعلى هذا له فسخ العقد وإن لم يعمل فيه المعول أو نبع الماء قبل وصوله إلى موضع المشروط وتعذر الحق انفسخ العقد في الباقي ولا ينفسخ فيما مضى على المذهب فيوزع المسمى على ما عمل وما بقي‏.‏

فرع الاستئجار لحفر قبر إذا استأجر لحفر قبر بين الموضع والطول والعرض والعمق ولا يكفي الإطلاق ولا يجب عليه رد التراب بعد وضع الميت فيه‏.‏

 فصل فإن كان القالب معروفاً

فذاك وإلا بين طوله وعرضه وسمكه وعن القاضي أبي الطيب الاكتفاء بمشاهدة القالب ويجب بيان الموضع الذي يضرب فيه ولا يجب عليه إقامتها للجفاف ولو استأجره لطبخ اللبن فطبخ لم يجب عليه الإخراج من الأتون‏.‏

 فصل الاستئجار للبناء

إذا استأجر للبناء قدر بالزمان أو العمل فإن قدر بالعمل بين موضعه وطوله وعرضه وسمكه وما يبنى به من اللبن أو الطين أو الآجر ولو استأجر للتطيين أو التجصيص قدر بالزمان ولا سبيل إلى تقديره بالعمل لأن سمكه لا ينضبط‏.‏

 فصل استأجر كحالا ليداوي عينه

ومنه إذا استأجر كحالا ليداوي عينه قدره بالمدة دون البرء فإن برأت عينه قبل تمامها انفسخ العقد في الباقي ولا يقدر بالعمل لأن قدر الدواء لا ينضبط ويختلف بحسب الحاجة‏.‏

 فصل الاستئجار للرعي

ومنه إذا استأجر للرعي وجب بيان المدة وحبس الحيوان ثم يجوز العقد على قطيع معين ويجوز في الذمة وحينئذ وجهان أصحهما عند صاحب المهذب يجب بيان العدد والثاني وبه قطع ابن الصباغ والروياني لا يجب ويحمل على ما جرت العادة أن يرعاه الواحد قال الروياني وهو مائة رأس من الغنم تقريباً فإن توالدت حكى ابن الصباغ أنه لا يلزمه رعي أولادها إن ورد العقد على أعيانها وإن كان في الذمة لزمه‏.‏

 فصل استئجار ناسخ للكتابة

استأجر ناسخاً للكتابة بين عدد الأوراق والأسطر في كل صفحة ولم يتعرضوا للتقدير بالمدة والقياس جوازه وأن يجب عند تقدير العمل بيان قدر الحواشي والقطع الذي يكتب فيه‏.‏

 فصل الاستئجار لاستيفاء الحد والقصاص

يجوز الاستئجار لاستيفاء الحد والقصاص ولنقل الميتة إلى المزبلة والخمر لتراق ولا يجوز لنقل الخمر من بيت إلى بيت ولا لسائر المنافع المحرمة كالزمر والنياحة وكما يحرم أخذ الأجرة في هذا يحرم إعطاؤها وإنما يباح الإعطاء دون الأخذ في موضع ضرورة كفكاك الأسير وإعطاء الشاعر لئلا يهجو والظالم ليدفع ظلمه والجائر ليحكم بالحق وهذه الأمثلة مذكورة في باب القضاء‏.‏

النوع الثاني العقار ويستأجر لأغراض‏.‏

منها السكنى فإذا استأجر داراً وجب معرفة موضعها وكيفية أبنيتها وفي الحمام يعرف البيوت والبئر التي يستقي منها ماءه والقدر التي يسخن فيها ومبسط القماش والأتون وهو موضع الوقود وما يجمع الأتون من السرقين ونحوه والموضع الذي يجمع فيه الزبل والوقود ومطرح الرماد والمستنقع الذي يجتمع فيه الماء الخارج من الحمام وعلى هذا قياس سائر المسكن وهذا الذي ذكرناه من اشتراط الرؤية في الحمام ونحوه تفريع على منع إجارة الغائب فإن جوزناها لم تعتبر الرؤية بل يكفي الوصف والبيان ولا يدخل الوقود في بيع الحمام وإجارته كما لا تدخل الأزر والأسطال والحبل والدلو قال في الشامل في رؤية قدر الحمام يكفي رؤية داخلها من الحمام أو ظاهرها من الأتون والقياس على اعتبار الرؤية أن يشاهد الوجهين إذا أمكن كما تعتبر مشاهدة وجهي الثوب‏.‏

فرع ذكر في شرح المفتاح أنه لا بد في إجارة الدار من ذكر عدد السكان من الرجال والنساء والصبيان ثم لا منع من دخول زائر وضيف وإن بات فيها ليالي‏.‏

قلت هذا الاشتراط لا يعرف لغيره والمختار أنه لا يعتر لكن يسكن فيها من جرت العادة به في مثلها وهذا مقتضى إطلاق الأصحاب فلا عدول عنه والله أعلم‏.‏

فرع لا بد من تقدير هذه المنفعة بالمدة وفي تقدير المدة التي يجوز عقد الإجارة عليها ثلاثة أقوال المشهور والذي عليه جمهور الأصحاب أنه يجوز عقد سنين كثيرة بحيث يبقى إليها ذلك الشيء غالباً فلا يؤجر العبد أكثر من ثلاثين سنة والدابة تؤجر عشر سنين والثوب سنتين أو سنة على ما يليق به والأرض مائة سنة وأكثر وقال ابن كج يؤجر العبد إلى تمام مائة وعشرين سنة من عمره والقول الثاني لا يجوز أكثر من سنة مطلقاً والثالث لا يجوز أكثر من ثلاث سنين وحكي وجه أنه يجوز أن يؤجرها مدة لا تبقى فيها العين غالباً لأن الأصل الدوام فإن هلكت لعارض فكانهدام الدار ونحوه وحكم الوقف في مدة الإجارة حكم الطلق قال المتولي إلا أن الحكام اصطلحوا على منع إجارته أكثر من ثلاث سنين لئلا يندرس الوقف وهذا الاصطلاح غير مطرد وفي أمالي السرخسي أن المذهب منع إجارة الوقف أكثر من سنة إذا لم تمس إليه حاجة لعمارة وغيرها وهو غريب وإذا جوزنا إجارة أكثر من سنة فهل يجب تقدير حصة كل سنة قولان أظهرهما لا وتوزع الأجرة على قيمة منافع السنين ومنهم من قطع بهذا‏.‏

فرع إذا قال أجرتك شهراً أو قال سنة صح على الأصح وحمل على ما يتصل بالعقد وقيل يشترط أن يقول من الآن ولو قال أجرتك شهراً من السنة فالعقد باطل قطعاً للإبهام‏.‏

ولو قال كل شهر بدرهم من الآن فباطل أيضاً على المشهور والصحيح وقال في الإملاء يصح في الشهر الأول وبه قطع الاصطخري ولو قال كل شهر من هذه السنة بدرهم لم يصح على الأصح وصححه ابن سريج في شهر فقط ونقل الإمام عن الأصحاب أنهم قالوا إذا قال بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم لم يصح البيع لأنه لم يضف إلى جميع الصبرة بخلاف ما لو قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم قال وكان ينبغي أن يفرق فيقال إن قال بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم كان كقوله بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم ويصح العقد في الجميع وإن قال بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم بطل على الأصح وعلى قول ابن سريج يصح في صاع وكذلك يفرق في الإجارة وقد قال بهذا الشيخ أبو محمد فسوى بين قوله بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم وبين قوله بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم فصحح البيع في جميع الصبرة باللفظين‏.‏

فرع مدة الإجارة كأجل المسلم فيه في أن مطلق الشهر والسنة يحمل على العربي وفي أنه إذا قيد بالعددية أو قال سنة فارسية أو رومية أو شمسية كان الأجل ما ذكره وفي أن العقد إذا انطبق على أول الشهر كان ذلك الشهر وما بعده بالأهلة وإن لم ينطبق تمم المنكسر بالعدد من الأخير ويحسب الباقي بالآهلة وفي سائر المسائل المذكورة في السلم وفي التأجيل بالشمسية وجه أنه لا يصح وهو شاذ‏.‏

فرع قال أجرتك شهراً من هذه السنة فإن لم يكن بقي منها إلا شهر صح وإن بقي أكثر من شهر لم يصح قاله المتولي والبغوي‏.‏

 فصل مما تستأجر له الأرض والبناء والغراس والزراعة

فإذا قال أجرتك هذه الأرض ولم يذكر البناء ولا غيره وكانت صالحة للجميع لم يصح العقد لأن منافع هذه الجهات مختلفة وضررها مختلف فوجب التعيين كما لو أجر بهيمة لا يجوز الإطلاق هكذا ذكره الأصحاب وجعلوه متفقاً عليه حتى احتجوا به لأحد الوجهين في إعارة الأرض مطلقاً لكن قدمنا في مسألة إجارة الأرض التي لا ماء لها تصريحهم بجواز الإجارة مطلقاً ويشبه أن تكون إجارتها مطلقاً على وجهين كإعارتها والأصح المنع فيهما وما ذكروه في إجارة الأرض التي لا ماء لها مفرع على الوجه الآخر أو قلت المذهب ما نص عليه الأصحاب في المسائل الثلاث فلا تصح الإجارة هنا مطلقاً وتصح العارية على وجه لأن أمرها على التوسعة والإرفاق فاحتمل فيها هذا النوع من الجهالة كإباحة الطعام بخلاف الإجارة فإنها عقد مغابنة فهذا عمدة الأصحاب‏.‏

وأما مسألة إجارة الأرض التي لا ماء لها فمؤولة والله أعلم‏.‏

فرع أجر بيتاً أو داراً لا يحتاج إلى ذكر السكنى لأن الدار لا تستأجر إلا للسكنى ووضع المتاع فيها وليس ضررهما بمختلف كذا ذكروه ويجوز أن يمنع فيقال قد تستأجر أيضاً ليتخذها مسجداً ولعمل الحدادين والقصارين ولطرح الزبل فيها وهي أكثر ضرراً فما جعلوه مبطلا في الأرض موجود هنا فإن قيل ينزل في الدار على أدنى وجوه الانتفاع وهو السكنى ووضع المتاع لزم أن يقال في الأرض مثله وينزل على الزراعة ومقتضى هذا الإشكال أنه يشترط في استئجار الدار بيان أنه يستأجر للسكنى أو غيرها وقد قال به بعض شارحي المفتاح‏.‏

فرع قال أجرتك هذه الأرض لتنتفع بها بما شئت صحت الإجارة وله يصنع ما شاء لرضاه وهذا ولو قال أجرتكها للزراعة ولم يذكر ما يزرع أو للبناء أو للغراس وأطلق صح على الأصح عند الجمهور وبالمنع قال ابن سريج ونقله ابن كج عن النص في الجامع الكبير ومن جوز قال يزرع ما شاء للإطلاق وكان يحتمل التنزيل على الأقل‏.‏

ولو قال أجرتكها لتزرع ما شئت صحت الإجارة ويزرع ما شاء نص عليه وعن ابن القطان وجه أنها فاسدة كبيع عبد من عبيده ولو قال أجرتكها لتزرع أو تغرس لم يصح ولو قال إن شئت فازرعها وإن شئت فاغرسها صح على الأصح ويخير المستأجر ولو قال أجرتكها فازرعها واغرسها أو لتزرعها وتغرسها ولم يبين القدر فوجهان أحدهما وبه قال ابن سلمة يصح وينزل على النصف وعلى هذا فله أن يزرع الجميع لجواز العدول من الغراس إلى الزرع ولا يجوز أن يغرس الجميع وأصحهما لا يصح وبه قال المزني وابن سريج وأبو إسحاق لعدم البيان بل قال القفال لو قال ازرع النصف واغرس النصف لم يصح لأنه لم يبين المغروس والمزروع فصار كقوله بعتك أحد هذين العبدين بألف والآخر بخمسمائة‏.‏

فرع يشترط في استئجار الأرض للبناء بيان موضعه وطوله وعرضه وفي بيان قدر ارتفاعه وجهان النوع الثالث الدواب وتستأجر لأغراض منها الركوب وفيه مسائل‏.‏

إحداها يشترط أن يعرف المؤجر الراكب وطريق معرفته المشاهدة كذا قاله الجمهور أن الوصف التام يكفي عنها ثم قيل يصفه بالوزن وقيل بالضخامة والنحافة ليعرف وزنه تخميناً‏.‏

الثانية إن كان الراكب مجرداً ليس معه ما يركب عليه فلا حاجة إلى ذكر ما يركب عليه لكن المؤجر يركبه على ما شاء من سرج وإكاف وزاملة على ما يليق بالدابة وإن كان يركب على رحل له أو فوق زاملة أو في محمل أو في عمارية أو أراد في غير الإبل الركوب على سرج أو إكاف وجب ذكره وينبغي أن يعرف المؤجر هذه الآلات فإن شاهدها كفى وإلا فإن كانت سروجهم ومحاملهم وما في معناها على قدر وتقطيع لا يتفاحش فيه التفاوت كفى الإطلاق وحمل على معهودهم فإن لم يكن معهود مطرد اشترط ذكر وزن السرج والاكاف والزاملة ووصفها هذا هو الصحيح المعروف وقال الإمام لم يتعرض أحد من الأصحاب لاشتراط ذكر الوزن في السرج والاكاف لأنه لا يكثر فيهما التفاوت وأما المحمل أو العمارية ففيهما أوجه أصحها أن المعتبر فيهما المشاهدة أو الوصف مع الوزن لإفادتهما التخمين‏.‏

والثاني يكفي الوزن أو الصفة‏.‏

والثالث لا بد من المشاهدة‏.‏

والرابع إن كانت محامل خفافاً كالبغدادية كفى الوصف لتقاربها وإن كانت ثقالا كالخرسانية اشترطت المشاهدة وقال البغوي تمتحن الزاملة باليد لتعرف خفتها وثقلها بخلاف الراكب لا يمتحن بعد المشاهدة وينبغي أن تكون المحمل والعمارية في ذلك كالزاملة‏.‏

فرع لا بد في المحمل ونحوه من الوطاء وهو الذي يفرش فيه ليجلس وينبغي أن يعرف بالرؤية أو الوصف والغطاء الذي يستظل به ويتوقى من المطر قد يكون وقد لا يكون فيحتاج إلى شرطه وإذا شرطه قال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ يكفي إطلاقه لتقارب تفاوته ويغطيه بجلد أو كساء أو لبد وقال ابن كج والمتولي يشترط رؤيته أو وصفه وهو ظاهر النص كالوطاء لكن إن كان فيه عرف مطرد كفى الإطلاق وقد يكون للمحمل ظرف من لبود أو أدم فهو كالغطاء‏.‏

الثالثة إذا استأجر للركوب وشرط حمل المعاليق وهي السفرة والاداوة والقدور والقمقمة فإن أراها المؤجر أو وضعها له وذكر وزنها صح وإلا فلا تصح الإجارة على المذهب والمنصوص ومن صحح حمله على الوسط المعتاد وإن لم يشرط المغاليق لم يستحق حملها على الأصح وقيل هو كشرطها مطلقاً وهذا المذكور في السفرة والإداوة الخاليتين فإن كان فيهما طعام وماء فسيأتي بيانهما في الباب الثاني إن شاء الله تعالى‏.‏

الرابعة إن كانت الإجارة على عين الدابة اشترط تعيينها‏.‏

وفي اشتراط رؤيتها الخلاف في شراء الغائب وإن كانت في الذمة اشترط ذكر جنسها أهي من الإبل أم الخيل أم الحمير والبغال ونوعها كالبخاتي والعراب ويشترط بيان الذكورة والأنوثة على الأصح لاختلاف الغرض بذلك فإن الأنثى أسهل سيراً والذكر أقوى ويشترط أن يقول مهملج أو بحر أو قطوف على الأصح لأن معظم الغرض يتعلق بكيفية السير‏.‏

الخامسة إذا استأجر دابة للركوب فليبينا قدر السير كل يوم فإذا بينا حملا على المشروط فإن زادا في يوم أو نقصا فلا جبران بل يسيران بعده على الشرط ولو أراد أحدهما مجاوزة المشروط أو النزول دونه لخوف أو غصب لم يكن له ذلك إلا أن يوافقه صاحبه ذكره البغوي وكان يجوز أن يجعل الخوف عذراً لمن يحتاط ويلزم الآخر موافقته‏.‏

قلت هذا الذي قاله البغوي ضعيف وينبغي أن يقال إن غلب على الظن حصول ضرر بسبب الخوف كان عذراً وإلا فلا ولا يتجه غير هذا التفصيل والله أعلم‏.‏

فإن لم يبينا قدر السير وأطلقا العقد نظر إن كان في ذلك الطريق منازل مضبوطة صح العقد وحمل عليها وإن لم يكن منازل أو كانت والعادة مختلفة لم يصح العقد حتى يبينا أو يقدر بالزمان هذا هو الصحيح المعروف الذي اشتملت عليه طرق الأصحاب وقال أبو إسحاق إذا اكترى إلى مكة في زماننا اشترط ذكر المنازل لأن السير في هذه الأزمان شديد وقال القاضي أبو الطيب إن كان الطريق مخوفاً لم يجز تقدير السير فيه لأنه لا يتعلق بالاختيار وتابعه الروياني على هذا ومقتضاه امتناع التقدير بالزمان أيضاً وحينئذ يتعذر الاستئجار في الطريق الذي ليس له منازل مضبوطة إذا كان مخوفاً‏.‏

فرع القول في وقت السير أهو الليل أم النهار وفي موضع النزول في المرحلة أهو نفس القرية أم الصحراء وفي الطريق الذي يسلكه إذا كان للمقصد طريقان على ما ذكرناه في قدر السير في أنه يحمل على المشروط أو المعهود وقد يختلف المعهود في فصلي الشتاء والصيف وحالتي الأمن والخوف فكل عادة تراعى في وقتها ومتى شرطا خلاف المعهود فهو المتبع لا المعهود‏.‏

 فصل مما تستأجر له الدواب الحمل عليها

فينبغي أن يكون المحمول معلوماً فإن كان حاضراً ورآه المؤجر كفى وإلا فلا بد من تقديره بالوزن أو بالكيل إن كان مكيلا والتقدير بالوزن في كل شيء أولى وأحصر ولا بد من ذكر جنسه لاختلاف تأثيره فلو قال أجرتكها لتحمل عليها مائة رطل مما شئت جاز على الأصح ويكون رضى منه بأضر الأجناس فلا حاجة حينئذ إلى بيان الجنس‏.‏

وقال صاحب الرقم قال حذاق المراوزة إذا استأجر دابة للحمل مطلقاً جاز وجعل راضياً بالأضر وحاصله الاستغناء بالتقدير عن ذكر الجنس هذا في التقدير بالوزن‏.‏

أما إذا قدر بالكيل فالمفهوم من كلام أبي الفرج السرخسي أنه لا يغني عن ذكر الجنس وإن قال عشرة أقفزة مما شئت لاختلاف الأجناس في الثقل مع الاستواء في الكيل لكن يجوز أن يجعل ذلك رضى بأثقل الأجناس كما جعل في الوزن رضى بأضر الأجناس‏.‏

قلت الصواب قول السرخسي‏.‏

والفرق ظاهر فإن اختلاف التأثير بعد الاستواء في الوزن يسير بخلاف الكيل وأين ثقل الملح من ثقل الذرة والله أعلم‏.‏

ولو قال أجرتكها لتحمل عليها ما شئت لم يصح بخلاف إجارة الأرض ليزرعها ما شاء لأن الدواب لا تطيق كل ما تحمل‏.‏

ظروف المتاع وحباله إن لم تدخل في الوزن بأن قال مائة رطل حنطة أو كان التقدير بالكيل فلا بد من معرفتها بالرؤية أو الوصف إلا أن يكون هناك غرائز متماثلة اطرد العرف باستعمالها فيحمل مطلق العقد عليها وإن دخلت في قدر المتاع بأن قال مائة رطل حنطة بظروفها صح العقد ولو اقتصر على قوله مائة رطل فالأصح أن الظرف من المائة والثاني أنه وراءها لأنه السابق إلى الفهم فعلى هذا يكون الحكم كما لو قال مائة رطل من الحنطة والمسألة مفرعة على الاكتفاء بالتقدير وإهمال ذكر الجنس إما مطلقاً وإما بأن قال مائة رطل مما شئت‏.‏

فرع الدابة المستأجرة للحمل إن كانت معينة فعلى ما ذكرناه في الركوب وإن كانت الإجارة على الذمة لم يشترط معرفة جنس الدابة وصفتها بخلاف الركوب لان المقصود هنا تحصيل المتاع في الموضع المنقول إليه فلا يختلف الغرض لكن لو كان المحمول زجاجاً أو خزفاً وشبههما فلا بد من معرفة حال الدابة ولم ينظروا في سائر المحمولات إلى تعلق الغرض بكيفية سير الدابة بسرعة أو بطء وقوة أو ضعف وتخلفها عن القافلة على بعض التقديرات ولو قيل به لم يكن بعيداً والكلام في المعاليق وتقدير السير على ما ذكرناه في الاستئجار للركوب‏.‏

استأجره لحمل هذه الصبرة إلى موضع كذا كل صاع بدرهم أو صاع منها بدرهم وما زاد فبحسابه صح العقد كما لو باع كذلك بخلاف ما لو قال أجرتك كل شهر بدرهم لأن جملة الصبرة معلومة محصورة بخلاف الأشهر ولو قال لتحمل صاعاً منها بدرهم على أن تحمل كل صاع منها بدرهم أو على أن ما زاد فبحسابه فوجهان أصحهما المنع لأنه شرط عقد في عقد والثاني الجواز وتقديره كل صاع بدرهم ولو قال لتحمل هذه الصبرة وهي عشرة آصع كل صاع بدرهم فإن زادت فبحسابه صح العقد في العشرة دون الزيادة المشكوك فيها ولو قال لتحمل من هذه الصبرة كل صاع بدرهم لم يصح على المذهب وهو المعروف وقد سبق في مثله في البيع وجه انه يصح في صاع فيعود هنا‏.‏

 فصل ومن الأغراض سقي الأرض بإدارة الدولاب

والاستقاء من البئر بالدلو فإن كانت الاجارة على عين الدابة وجب تعيينها كما في الركوب والحمل وإن كانت في الذمة لم يجب بيان الدابة ومعرفة جنسها وعلى التقديرين يعرف المؤجر الدولاب والدلو وموضع البئر وعمقها بالمشاهدة أو الوصف إن كان الوصف يضبطها ويقدر المنفعة إما بالزمان بأن يقول لتسقي بهذا الدلو من البئر اليوم وإما بالعمل بأن يقول لتستقي خمسين دلواً من هذه البئر بهذا الدلو ولا يجوز التقدير بالأرض بأن يقول لتسقي هذا البستان أو لتسقي جريباً منه‏.‏

 فصل ومنها الحراثة

فيجب أن يعرف المؤجر الأرض لاختلافها وتقدر المنفعة إما بالزمان بأن يقول لتحرث في هذه الأرض الشهر وإما بالعمل بأن يقول لتحرث هذه القطعة أو إلى موضع كذا منها وقيل لا يجوز تقدير هذه المنفعة بالمدة قاله الشيخ أبو حامد والصحيح الأول ولا بد من معرفة الدابة إن كانت إجارة عين وإن كانت في الذمة فكذلك إن قدر بالمدة وجوزناه لأن العمل يختلف باختلاف الدابة وإن قدر بالأرض المحروثة فلا حاجة إلى معرفتها‏.‏

 فصل ومنها الدياس

فيعرف المؤجر الجنس الذي يريد دياسه ويقدر المنفعة بالزمان أو بالزرع الذي يدوسه والقول في معرفة الدابة على ما ذكرناه في الحراثة‏.‏

 فصل الاستئجار للطحن

كالاستئجار للدياس‏.‏

جملة ما يجب تعريفه في الإجارات مما ذكرناه وما لم نذكره أن ما يتفاوت به الغرض ولا يتسامح به في المعاملة يشترط تعريفه‏.‏

 فصل اختلف الأصحاب في أن المعقود عليه في الإجارة

ماذا فقال أبو إسحاق وغيره هو العين ليستوفي منها المنفعة لأن المنفعة معدومة ومورد العقد يجب أن يكون موجوداً ولأن اللفظ مضاف إلى العين ولهذا يقول أجرتك هذه الدار وقال الجمهور ليست العين معقوداً عليها لأن المعقود عليه هو ما يستحق بالعقد ويجوز التصرف فيه وليست العين كذلك فالمعقود عليه هو المنفعة وبه قال مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما وعليه ينطبق قول جمهور أصحابنا أن الإجارة تمليك المنافع بعوض ويشبه أن لا يكون هذا خلافاً محققاً لان الأول لا يقول العين مملوكة بالإجارة كالمبيع ومن قال بالثاني لا يقطع النظر عن العين‏.‏

 الباب الثاني في حكم الإجارة

الصحيحة فيه طرفان‏.‏

الطرف الأول فيما يقتضي اللفظ دخوله في العقد وضعاً أو عرفاً وما يلزم المتكاربين إتماماً له النوع الأول استئجار الآدمي وفيه فصلان‏.‏

 الفصل الأول الاستئجار للحضانة

وحدها وللإرضاع وحده جائز وكذا لهما معاً كما سبق وذكرنا أن المستحق بالإجارة للإرضاع ما هو وأما الحضانة فهي حفظ الصبي وتعهده بغسله وغسل رأسه وثيابه وخرقه وتطهيره من النجاسات ودهنه وكحله وإضجاعه في مهده وربطه وتحريكه في المهد لينام‏.‏

وإذا أطلق الاستئجار لأحدهما ولم ينف الآخر ففي استتباعه الآخر ثلاثة أوجه أصحها منع الاستتباع والثاني إثباته للعادة بتلازمهما والثالث يستتبع الإرضاع الحضانة ولا عكس فإن أتبعنا فيهما أو شرطهما فانقطع اللبن فثلاثة أوجه مبنية على أن المعقود عليه في هذه الإجارة ماذا أحدها أنه اللبن والحضانة تابعة فعلى هذا ينفسخ العقد بانقطاعه والثاني الحضانة واللبن تابع فعلى هذا لا ينفسخ العقد لكن للمستأجر الخيار لأنه عيب وأصحهما المعقود عليه كلاهما لأنهما مقصودان فعلى هذا ينفسخ العقد في الإرضاع ويسقط قسطه من الأجرة وفي الحضانة قولا تفريق الصفقة ولم يفرقوا في طرد الأوجه بين أن يصرح بالجمع بينهما أو يذكر أحدهما ونحكم باستتباعه الآخر وحسن أن يفرق فيقال إن صرح فمقصودان قطعاً وإن ذكر أحدهما فهو المقصود والآخر تابع‏.‏

يلزم المرضعة أن تأكل وتشرب ما يدر به اللبن وللمكتري أن يكفلها ذلك‏.‏

الثاني إذا استأجر وراقاً فعلى من الحبر فيه ثلاثة طرق أصحها الرجوع إلى العادة فإن اضطربت وجب البيان وإلا فيبطل العقد وأشهرها القطع بأنه لا يجب على الوراق‏.‏

والثالث أنه على الخلاف في أن اللبن هل يتبع الحضانة وإذا أوجبنا على الوراق فهو كاللبن في أنه لا يجب تقديره وإن صرح باشتراطه عليه فهو كما لو صرح بالإرضاع والحضانة وإذا لم نوجبه عليه فشرط في العقد بطل العقد إن لم يكن معلوماً وإلا فطريقان أحدهما يصح العقد لأن المقصود الكتابة والحبر تابع والثاني أنه شراء واستئجار وليس الحبر كاللبن لإمكان إفراده بالشراء وعلى هذا ينظر فإن قال اشتريت منك هذا الحبر على أن تكتب به كذا فهو كشراء الزرع بشرط أن يحصده البائع وإن قال اشتريت الحبر واستأجرتك لتكتب به كذا بعشرة فهو كقوله اشتريت الزرع واستأجرتك لتحصده بعشرة وإن قال اشتريت الحبر بدرهم واستأجرتك لتكتب به بعشرة فهو كقوله اشتريت الزرع بعشرة واستأجرتك لتحصده بدرهم وحكم الصور مذكور في البيع‏.‏

فرع إذا استأجر الخياط والصباغ وملقح النخل والكحال فالقول في الخيط والصبغ وطلع النخل والذرور كما ذكرنا في الحبر هذا هو المذهب وعليه الجمهور وقطع الإمام وشيخه والغزالي بأن الخيط لا يجب على الخياط لأن العادة الغالبة في الخيط خلاف الحبر والصبغ‏.‏

النوع الثاني العقار وهو صنفان مبني كالدار والحمام وغيره‏.‏

فالأول فيه مسألتان‏.‏

إحداهما ما تحتاج إليه الدار المكراة من العمارة وهو ثلاثة أضرب‏.‏

أحدها مرمة لا تحتاج إلى عين جديدة كإقامة جدار مائل وإصلاح منكسر وغلق تعسر فتحه‏.‏

والثاني ما يحوج إلى عين جديدة كبناء وجذع جديد وتطيين سطح والحاجة في الضربين لخلل عرض في دوام الإجارة‏.‏

الثالث عمارة يحتاج إليها لخلل قارن العقد بأن أجر داراً ليس لها باب ولا ميزاب ولا يجب شيء من هذه الأضرب على المستأجر بل هي من وظيفة المؤجر فإن بادر إلى الإصلاح فلا خيار للمستأجر وإلا فله الخيار إذا نقصت المنفعة حتى لو وكف البيت لترك التطيين قال الأصحاب له الخيار فإذا انقطع بطل الخيار إلا إذا حدث بسببه نقص وإنما يثبت الخيار في الضرب الثالث إذا كان جاهلا به في ابتداء الحال‏.‏

وهل يجبر المؤجر على هذه العمارات قال جماعة منهم المتولي والبغوي لا يجبر في شيء منها لأنه إلزام عين لم يتناولها العقد وقال الإمام والغزالي والسرخسي يجبر على الضرب الأول ولا يجبر على الثالث قطعاً ولا على الثاني على الأصح وقال القاضي حسين وأبو محمد يجبر توفيراً للمنفعة ويجري الوجهان فيما إذا غصبت المستأجرة وقدر المالك على الانتزاع‏.‏

قلت ينبغي أن يكون الصحيح هنا وجوب الانتزاع والله أعلم‏.‏

ولا شك أنه إذا كان العقد على موصوف في الذمة ولم ينتزع ما سلمه يطالب ببدله وحكى الإمام تفريعاً على طريقته وجهين في أن الدعامة المانعة من الانهدام إذا احتيج إليها من الضرب الأول أم من الثاني‏.‏

فرع على المكري تسليم مفتاح الدار يجب على المكري تسليم مفتاح الدار للتمكن من الانتفاع بخلاف ما إذا كانت العادة فيه الأقفال فإنه لا يجب تسليم القفل لأن الأصل أن لا يدخل المنقولات في العقد الواقع على العقار والمفتاح تابع للغلق وإذا سلم فهو أمانة في يد المستأجر فإن ضاع بلا تفريط فلا شيء عليه وإبداله من وظيفة المؤجر وهل يطالب به فيه الخلاف السابق في العمارات فإن لم يبدله فللمستأجر الخيار‏.‏

المسألة الثانية تطهير الدار عن الكناسة والأتون عن الرماد في دوام الإجارة على المستأجر لأنهما حصلا بفعله وكسح الثلج عن السطح من وظيفة المؤجر لأنه كعمارة الدار فإن تركه على السطح وحدث به عيب فللمستأجر الخيار قال الإمام وهل يجب عليه فيه الخلاف السابق في العمارة وحكي وجه أنه لا يجب الكسح وإن وجبت العمارة لأنها تجب لتعود الدار إلى ما كانت‏.‏

وأما الثلج في عرصة الدار فإن خف ولم يمنع الانتفاع فهو ملحق بكنس الدار وإن كثف فكذلك على الأصح وقيل كتنقية البالوعة وفيها خلاف يأتي إن شاء الله تعالى لأنه يمنع التردد في الدار

فرع تسليم الدار وبالوعتها يلزم المؤجر تسليم الدار وبالوعتها وحشها فارغان فإن كان مملوءاً فللمستأجر الخيار وكذا مستنقع الحمام وهو الموضع الذي تنصب إليه الغسالة فلو امتلأت البالوعة والحش والمستنقع في دوام الإجارة فهل تفريغها على المؤجر تمكيناً من الانتفاع بقية المدة أم على المستأجر لحصوله بفعله وجهان أصحهما الثاني وبه قطع الماوردي وابن الصباغ والمتولي كنقل الكناسات فإن تعذر الانتفاع فلينق ولا خيار له على الصحيح ولا يلزم المستأجر التنقية عند انقضاء المدة ولا تفريغ مستنقع الحمام ويلزمه التطهير من الكناسة وفسروها بالقشور وما سقط من الطعام ونحوه دون التراب الذي يجتمع بهبوب الرياح لأنه بغير فعله لكن قد سبق من أن ثلج العرصة لا يلزم المؤجر نقله بل هم كالكناسة مع أنه حصل لا بفعله فيجوز أن يكون التراب أيضاً كالكناسة مع أنه حصل لا بفعله‏.‏

قلت هذا الاحتمال ضعيف والصواب أنه لا يلزم المستأجر نقل التراب كما قاله الأصحاب وليس المراد بما سبق في ثلج العرصة أنه يلزم المستأجر نقله بل المراد أنه لا يلزم المؤجر فكذا هنا لا يلزم واحداً منهما والله أعلم‏.‏

قال الإمام والغزالي رماد الأتون كالكناسة فيجب على المستأجر نقله وفي التهذيب أنه لا يجب لأنه من صورة استيفاء المنفعة بخلاف الكناسة‏.‏

فرع الدار المستأجرة للسكنى الدار المستأجرة للسكنى لا يجوز طرح الرماد والتراب في أصل حائطها ولا ربط دابة فيها بخلاف وضع الأمتعة وفي جواز طرح ما يسرع إليه الفساد وجهان أصحهما الجواز لأنه الصنف الثاني الأرض البيضاء فإذا استأجر أرضاً للزراعة ولها شرب معلومة فإن شرط دخوله في العقد أو خروجه اتبع الشرط وإلا فإن اطردت العادة باتباعه الأرض أو انفراده اتبعت وإن اضطربت فكانت تكرى وحدها تارة ومع الشرب تارة فأوجه أصحها لا يجعل الشرب تابعاً اقتصاراً على مقتضى اللفظ إنما عليه بعرف مطرد والثاني يجعل تابعاً والثالث يبطل العقد من أصله لأن تعارض المقصودين يوجب جهالة‏.‏

 فصل استأجر أرضاً لزرع معين فانقضت المدة

ولم يدرك فلعدم الإدراك فيها أسباب‏.‏

أحدها التقصير في الزراعة بأن أخرها حتى ضاق الوقت أو أبدل الزرع المعين بما هو أبطأ منه أو أكله الجراد ونحوه فزرع ثانياً فللمالك إجباره على قلعه وعلى الزارع تسوية الأرض كالغاصب هذا لفظ البغوي ومقتضى إلحاقه بالغاصب أن يقلع زرعه قبل انقضاء المدة أيضاً لكن المتولي وغيره صرحوا بأنه لا يقلع قبل انقضاء المدة لأن منفعة الأرض في الحال له‏.‏

قلت الصواب ما صرح به المتولي وغيره وليس مراد البغوي بإلحاقه بالغاصب القلع قبل المدة والله أعلم‏.‏

للمالك منعه من زراعة ما هو أبطأ إدراكاً وهل له منعه من زراعة الزرع المعين ابتداء إذا ضاق الوقت وجهان لأنه استحق منفعة الأرض تلك المدة وقد يقصد القصيل‏.‏

قلت الأصح أنه ليس له منعه والله أعلم‏.‏

السبب الثاني أن يتأخر الإدراك لحر أو برد أو كثرة المطر أو أكل الجراد رؤوس الزرع فنبت ثانياً فتأخر لذلك فالصحيح أنه لا يجبر على القلع بل على المالك الصبر إلى الإدراك مجاناً أو بأجرة المثل وقيل له قلعه مجاناً لخروجه عن المدة‏.‏

السبب الثالث أن يكون الزرع المعين بحيث لا يدرك في المدة بأن استأجر لزراعة الحنطة شهرين فإن شرطا القلع بعد المدة جاز وكأنه أراد القصيل ثم لو تراضيا على الإبقاء مجاناً أو بأجرة المثل جاز فإن شرطا الإبقاء فسد العقد للتناقض بينه وبين التوقيت ولجهالة مدة الإدراك ويجيء فيه خلاف سنذكره قريباً إن شاء الله تعالى وإذا فسد العقد فللمالك منعه من الزراعة لكن لو زرع لم يقلع مجاناً للإذن بل يأخذ منه أجرة المثل لجميع المدة وإن أطلقا العقد ولم يتعرضا لقلع ولا إبقاء صح العقد على الأصح فعلى هذا إن توافقا بعد المدة على إبقائه مجاناً أو بأجرة فذاك وإن أراد المالك إجباره على القلع لم يكن له على الأصح وهو اختيار القفال لأن العادة فيه الإبقاء وعلى هذا فالأصح أن له أجرة المثل للزيادة وقيل لا لأنه في معنى معير للزيادة وقال أبو الفرج السرخسي إذا قلنا لا يقلع بعد المدة لزم تصحيح العقد إذا شرط الإبقاء بعد المدة وكأنه صرح بمقتضى الإطلاق وهذا حسن أما إذا استأجر للزراعة مطلقاً وقلنا بالأصح وهو صحته فعليه أن يزرع ما يدرك في تلك المدة فإن زرعه وتأخر إدراكه لتقصير أو لغيره فعلى ما ذكرناه في الزرع المعين ولو أراد أن يزرع ما لا يدرك في تلك المدة فللمالك منعه فلو زرع لم يقلع انقضاء المدة وقال صاحب المهذب يحتمل أن لا يمنع من زرعه كما لا يقلع إذا زرع‏.‏

 فصل استأجر للبناء أو الغراس

فإن شرط القلع صح العقد ولزم المستأجر القلع بعد المدة وليس على المالك أرش النقصان ولا على المستأجر تسوية الأرض ولا أرش نقصها لتراضيهما بالقلع ولو شرطا الإبقاء بعد المدة فوجهان أحدهما العقد فاسد لجهالة المدة وهذا أصح عند الإمام والبغوي والثاني يصح لأن الإطلاق يقتضي الإبقاء فلا يضر شرطه وبهذا قطع العراقيون أو جمهورهم ويتأيد به كلام السرخسي في مسألة الزرع فإن قلنا بالفساد لزم المستأجر أجرة المثل للمدة وما بعدها حكمه ما سنذكره فيما إذا أطلقا العقد أما إذا أطلقا فالمذهب صحة العقد وقيل وجهان وليس بشيء ثم ينظر بعد المدة فإن أمكن القلع والرفع بلا نقص فعل وإلا فإن اختار المستأجر القلع فله ذلك لأنه ملكه وهل عليه تسوية الحفر وأرش نقص الأرض وجهان الأصح المنصوص يلزمه لتصرفه في أرد الغير بالقلع بعد خروجها من يده وتصرفه بغير إذن مالكها فعلى هذا لو قلع قبل المدة لزمه التسوية على الأصح لعدم الإذن وقيل لا لبقاء الأرض في يده وتصرفه وإن لم يختر القلع فهل للمؤجر أن يقلعه مجاناً فيه طريقان أحدهما القطع بالمنع والثاني على وجهين أصحهما هذا لأنه بناء محترم والثاني نعم فإن منعنا فالكلام في أن المؤخر يتخير بين أن يقلع ويغرم أرش النقص مع نقص الثمار إن كان على الشجر ثمر أو يتملكه عليه بالقيمة أو يبقية بأجرة يأخذها أو لا يتخير إلا بين الخصلتين الأوليين من هذه الثلاث على ما ذكرناه إذا رجع المعير عن العارية وإذا انتهى الأمر إلى القلع فمباشرة القلع أو بدل مؤنته هل هي على المؤجر لأنه الذي اختاره أم على المستأجر لأنه شغل الأرض فليفرغها وجهان أصحهما الثاني وإذا عين المؤجر خصلة فامتنع منها المستأجر ففي إجباره ما ذكرناه في إجبار المستعير فإن أجبرناه كلف تفريغ الأرض مجاناً وإلا فلا بل هو كما لو امتنع المؤجر من الاختيار وحينئذ هل يبيع الحاكم الأرض بما فيها أم يعرض عنهما فيه خلاف سبق‏.‏

فرع

 فصل استأجر لزراعة جنس معين

إذا استأجر لزراعة جنس معين جاز أن يزرعه وما ضرره مثل ضرره أو دونه لا ما فوقه والحنطة فوق ضرر الشعير وكل واحد من الذرة والأرز فوق ضرر الحنطة وعن البويطي أنه لا يجوز غير زرع المعين فقيل هو قول للشافعي رضي الله عنه وقيل هو مذهب للبويطي وكيف كان فالمذهب جوازه هذا إذا عين جنساً أو نوعاً فلو قال أجرتكها لزرع هذه الحنطة ففي صحة العقد وجهان أحدهما المنع لأن تلك الحنطة قد تتلف والثاني الصحة وهو اختيار ابن كج ولا تتعذر الزراعة بتلف تلك الحنطة‏.‏

قلت الأصح الصحة لأنه لا يتعذر بتلف الحنطة ولو تعذر لم يكن احتمال التلف مانعاً كالاستئجار لإرضاع هذا الصبي والحمل على هذه الدابة والله أعلم‏.‏

ولو قال لتزرع هذه الحنطة ولا تزرع غيرها فأوجه أحدها يفسد العقد لأنه ينافي مقتضاه قال ابن كج والروياني وهذا هو المذهب والثاني وهو اختيار الإمام صحة العقد وفساد الشرط لأنه شرط لا يتعلق به غرض فهو كقوله أجرتك على أن لا تلبس إلا الحرير والثالث يصح العقد والشرط لأنه يملك المنفعة من المؤجر فملك بحسب التمليك‏.‏

وعلى هذا قياس استيفاء سائر المنافع فإذا استأجر دابة للركوب في طريق لم يركبها في طريق أحزن منه وله ركوبها في مثل ذلك الطريق وإذا استأجر لحمل الحديد لم يحمل القطن ولا العكس وإذا استأجر دكاناً لصنعة منع مما فوقها في الضرر‏.‏

فرع تعدى المستأجر للحنطة فزرع الذرة إذا تعدى المستأجر للحنطة فزرع الذرة ولم يتخاصما حتى انقضت المدة وحصد الذرة فالمذهب وهو نصه في المختصر وبه قال أبو علي الطبري والقاضي أبو حامد أن المؤجر بالخيار بين أن يأخذ المسمى وبدل النقصان الزائد بزراعة الذرة على ضرر الحنطة وبين أن يأخذ أجرة المثل لزرع الذرة وقال كثيرون في المسألة قولان أحدهما تعيين أجرة المثل للذرة والثاني تعيين المسمى وبدل النقص وقال ابن القطان قولان أحدهما المسمى وبدل النقص والثاني التخيير‏.‏

قلت وهل يصير ضامناً للأرض غاصباً وجهان حكاهما الشاشي في المستظهري أصحهما لا والله أعلم‏.‏

ولو تخاصما عند إرادته زراعة الذرة منع منها وإن تخاصما بعد زراعتها وقبل حصادها فله قلعها وإذا قلع فإن تمكن من زراعة الحنطة زرعها وإلا فلا يزرع وعليه الأجرة لجميع المدة لأنه الذي فوت مقصود العقد ثم إن لم تمض على بقاء الذرة مدة تتأثر الأرض بها فذاك وإن مضت فالمستحق أجرة المثل أم قسطها من المسمى مع بدل النقصان أم يتخير بينهما فيه الطرق السابقة والطرق جارية فيما إذا استأجر داراً ليسكنها فأسكنها الحدادين أو القصارين أو دابة ليحمل عليها قطناً فحمل بقدره حديداً أو غرفة ليضع فيها مائة رطل حنطة فأبدلها بحديد وكذا كل صورة لا يتميز فيها المستحق عما زاد فلو تميز بأن استأجر دابة لحمل خمسين رطلا فحمل مائة أو إلى موضع فجاوزه وجب المسمى وأجرة المثل لما زاد قطعاً ولو عدل عن الجنس المشروط إلى غيره بأن استأجر للزرع فغرس أو بنى وجبت أجرة المثل على المذهب وقيل بطرد الخلاف وإذا قلنا بالمذهب في أصل المسألة إنه يتخير فاختار المسمى وبدل النقصان الزائد فمثله أجرة مثلها للحنطة خمسون وللذرة سبعون وكان المسمى أربعين فله الأربعون والتفاوت بين الأجرتين وهو عشرون‏.‏

قلت وإذا حصد المستأجر ما أذن فيه بعد المدة لزمه قلع ما يبقى في الأرض من قصب الزرع وعروقه لأنه عين ماله فلزمه إزالته عن ملك غيره وممن صرح به صاحب البيان والله أعلم‏.‏

النوع الثالث استئجار الدواب وفيه مسائل‏.‏

المسألة الأولى إذا اكترى للركوب قال الأكثرون على المؤجر الاكاف والبرذعة والحزام والثفر والخطام والبرة لأنه لا يتمكن من الركوب دونها والعرف مطرد بكونها على المؤجر وفي السرج إذا اكترى الفرس أوجه ثالثها إتباع العادة‏.‏

قلت صحح الرافعي في المحرر إتباع العادة والله أعلم‏.‏

وقال أبو الحسن العبادي في الرقم لا يلزم مكري الدابة إلا تسليمها عارية والآلات كلها على المستأجر وقال البغوي ما عدا السرج والاكاف والبرذعة فعلى المؤجر‏.‏

وأما هذه الثلاثة فإن استأجر عين الدابة فهي على المستأجر ويضمن لو ركب بغير إكاف وسرج وإن كانت على الذمة فعلى المؤجر لأنها للتمكين من الانتفاع‏.‏

أما ما هو للتسهيل على الراكب كالمحمل والمظلة والوطاء والغطاء والحبل الذي يشد به المحمل على البعير والذي يشد به أحد المحملين إلى الآخر فعلى المستأجر والعرف مضطرد به وفي المهذب وجه في الحبل الذي يشد به أحدهما إلى الآخر أنه على المستأجر وهو شاذ بعيد مع القطع بأن المحمل وسائر توابعه على المستأجر وأما شد أحد المحملين إلى الآخر فهل هو على المكري كالشد على الحمل أم على المكتري لأنه إصلاح ملكه وجهان‏.‏

قلت أصحهما الأول وممن صححه صاحب البيان والله أعلم‏.‏

هذا إذا أطلقا العقد أما إذا قال أكريتك هذه الدابة العارية بلا حزام ولا إكاف ولا غيرهما فلا المسألة الثانية إذا اكترى للحمل فالوعاء الذي ينقل فيه المحمول على المستأجر إن وردت الإجارة على عين الدابة وعلى المؤجر إن ورث على الذمة والدلو والرشاء في الاستئجار للاستقاء كالوعاء في الحمل فيفرق بين العين والذمة وعن القاضي حسين أنه إن كان معروفاً بالاستقاء بآلات نفسه لزمه الإتيان بها وهذا يجب طرده في الوعاء ورأى الإمام في إجارة الذمة الفرق بين أن يلتزم الغرض مطلقاً ولا يتعرض للدابة فتكون الآلات عليه وبين أن يتعرض لها بالوصف وحينئذ يتبع العادة فإن اضطربت احتمل واحتمل وإذا رأينا إتباع العادة فاضطربت فالأصح أنه يشترط لصحة العقد التقييد‏.‏

قلت الأصح الذي عليه الجمهور ما سبق والله أعلم‏.‏

فرع مؤنة الدليل وسائق الدابة وقائدها والبذرقة وحفظ المتاع في المنزل كالوعاء‏.‏

المسألة الثالثة الطعام المحمول ليؤكل في الطريق كسائر المحمولات في اشتراط رؤيته أو تقديره بالوزن على الصحيح وقيل لا يشترط تقديره ويحمل الأمر فيه على العادة فعلى الصحيح لا يشترط تقدير ما يؤكل منه كل يوم لصحة العقد على الصحيح وإذا قدره وحمله فإن شرط أنه يبدله كلما نقص أو لا يبدله اتبع الشرط وإلا فإن فني بعضه أو كله بسرقة أو تلف فله الإبدال كسائر المحمولات وإن فني بالأكل فإن فني كله أبدله على الصحيح وإن فني بعضه أبدله على الأظهر ويقال الأصح وموضع الخلاف إذا كان يجد الطعام في المنازل المستقبلة بسعر المنزل الذي هو فيه أما إذا لم يجده أو وجده بأعلى فله الإبدال قطعاً وإذا قلنا لا يشترط تقدير الزاد وحمل ما يعتاد لمثله لم يبدله حتى يفنى كله وفيه وجه ضعيف‏.‏

الرابعة إذا اكترى للركوب في الذمة لزم المؤجر الخروج مع الدابة لسوقها وتعهدها وإعانة الراكب في الركوب والنزول وتراعى العادة في كيفية الإعانة فينيخ البعير للمرأة لأنه يصعب عليها النزول والركوب مع قيام البعير وكذا إذا كان الرجل ضعيفاً لمرض أو شيخوخة أو كان مفرط السمن أو نضو الخلق ينيخ له البعير ويقرب البغل والحمار من نشز يسهل عليه الركوب والاعتبار في القوة والضعف بحال الركوب لا بحال العقد‏.‏

وإذا اكترى للحمل في الذمة لزم المؤجر رفع الحمل وحطه وشد المحمل وحله وفي شد أحد المحملين إلى الآخر وهما بعد على الأرض الوجهان السابقان قريباً‏.‏

ويقف الدابة لينزل الراكب لما لا يتهيأ عليها كقضاء الحاجة والوضوء وصلاة الفرض وإذا نزل انتظره المكري ليفرغ منها ولا يلزمه المبالغة في التخفيف ولا القصر ولا الجمع وليس له الإبطاء ولا التطويل قال الروياني وله النزول في أول الوقت لينال فضله ولا يقفها للنوافل والأكل والشرب وإن ورد العقد على الدابة بعينها فالذي على المؤجر التخلية بين المستأجر وبينها وليس عليه أن يعينه على الركوب ولا الحمل هذا هو المذهب وقول الجمهور في نوعي الإجارة وحكى الإمام مع هذا ثلاثة أوجه أحدها أنه إن قال في إجارة الذمة ألزمت ذمتك تبليغي موضع كذا لزمه الإعانة وإن قال ألزمت ذمتك منفعة دابة صفتها كذا لم تلزمه والثاني تجب الإعانة على الركوب في إجارة العين أيضاً والثالث تجب للحمل في نوعي الإجارة لاطراد العادة بالإعانة على الحط والحمل وإن اضطربت في الركوب ورفع المحمل وحطه كالحمل‏.‏

فرع قال الشافعي رضي الله عنه إذا اختلفا في الرحلة رحل لا مكبوباً ولا مستلقياً قيل المكبوب أن يجعل مقدم المحمل أو الزاملة أوسع من المؤجر والمستلقي عكسه وقيل المكبوب بأن يضيق المقدم والمؤخر جميعاً والمستلقي أن يوسعهما جميعاً وعلى التفسيرين المكبوب أسهل على الدابة والمستلقي أسهل على الراكب فإن اختلفا فيهما حملا على الوسط المعتدل وكذا إذا اختلفا في كيفية الجلوس‏.‏

فرع ليس للمؤجر منع الراكب من النوم في وقته ويمنعه في غير ذلك الوقت لأن النائم يتقل قاله ابن فرع قد يعتاد النزول والمشي للإراحة فإن شرطا أن ينزل أو لا ينزل اتبع الشرط قال الإمام ويعرض في شرط النزول إشكال لانقطاع المسابة ويقع في كراء العقب قال لكن الأصحاب احتملوه للحاجة وإن أطلقا لم يجب النزول على المرأة والمريض وفي الرجل القوي وجهان لتعارض اللفظ والعادة وهكذا حكم النزول عند العقبات الصعاب‏.‏

قلت قال أصحابنا وفي معنى المرأة والمريض الشيخ العاجز وينبغي أن يلحق بهم من كانت له وجاهة ظاهرة وشهرة يخل بمروءته في العادة المشي ثم الكلام مفروض في طريق يعتاد النزول فيه لإراحة الدابة فإن لم تكن معتادة لم يجب مطلقاً ولم نصحح شيئاً من الوجهين في الرجل القوي وينبغي أن يكون الأصح وجوب النزول عند العقبات دون الإراحة والله أعلم‏.‏

فرع إذا اكترى دابة إلى بلد فبلغ عمرانه فللمؤجر أخذ دابته ولا يلزمه تبليغه داره ولو اكترى إلى مكة لم يكن له تتميم الحج عليها وإن اكتراها للحج ركبها إلى منى ثم عرفات ثم المزدلفة ثم منى مكة لطوف الإفاضة وهل يركبها إلى مكة راجعاً إلى منى للرمي والطواف وجهان‏.‏

قلت ينبغي أن يكون أصحهما استحقاقه ذلك لأن الحج لم يفرغ وإن كان قد تحلل ومن مسائل هذا النوع لو طلب أحد المتكاريين مفارقة القافلة بالتقدم أو التأخر لم يكن له إلا برضى صاحبه فرع إذا اكترى دابة بعينها فتلفت انفسخ العقد وإن وجد بها عيباً فله الخيار والعيب مثل أن تتعثر في المشي أو لا تبصر في الليل أو يكون بها عرج تتخلف به عن القافلة ومجرد خشونة المشي ليس بعيب وإن كانت الإجارة على الذمة وسلم دابة وتلفت لم ينفسخ العقد وإن وجد بها عيباً لم يكن له الخيار في فسخ العقد ولكن على المؤجر إبدالها ثم الدابة المسلمة عن الإجارة في الذمة وإن لم ينفسخ العقد بتلفها فإنه ثبت للمستأجر فيها حق الاختصاص حتى يجوز له إجارتها ولو أراد المؤجر إبدالها فهل له ذلك دون إذن المستأجر وجهان أصحهما عند الجمهور المنع لما فيها من حق المستأجر والثاني قاله أبو محمد واختاره الغزالي إن اعتمد باللفظ الدابة بأن قال أجرتك دابة صفتها كذا لم يجز الإبدال وإن لم يعتمدها بل قال التزمت إركابك دابة صفتها كذا جاز‏.‏

ويتفرع على الوجهين ما إذا أفلس المؤجر بعد تعيين عن إجارة الذمة هل يتقدم المستأجر بمنفعتها على الغرماء وقد ذكرناه في التفليس والأصح التقدم‏.‏

ولو أراد المستأجر أن يعتاض عن حقه في إجارة الذمة فإن كان قبل أن يتسلم دابة لم يجز لأنه اعتياض عن المسلم فيه وإن كان بعد التسليم جاز لأن هذا الاعتياض عن حق في عين هكذا قاله الأئمة‏.‏

 فصل نذكر فيه قولا جملياً في إبدال متعلقات الإجارة

المنفعة المطلوبة في العقد لها مستوف ومستوفى منه ومستوفى فيه‏.‏

فأما المستوفي وهو مستحق الاستيفاء فله أن يبدل نفسه بغيره كما يجوز أن يؤجر ما استأجر فإذا استأجر دابة للركوب فله أن يركبها مثل نفسه في الطول والقصر والضخامة والنحافة ومن هو أخف منه وكذلك يلبس الثوب مثله ويسكن الدار دون القصار والحداد لزيادة الضرر وكذا إذا استأجر دابة لحمل القطن فله حمل الصوف والوبر أو لحمل الحديد فله حمل النحاس والرصاص وإذا استأجر للحمل فأراد إركاب من لا يزيد وزنه على القدر المحمول قال المتولي يرجع إلى أهل الصنعة فإن قالوا لا يتفاوت الضرر جاز وإن قالوا يتفاوت لم يجز وكذا لو استأجر للركوب فأراد الحمل والأصح المنع في الطرفين وهو مقتضى ما في التهذيب‏.‏

وأما المستوفى منه فهو الدار والدابة المعينة والأجير المعين ولا يجوز إبداله كما لا يبدل المبيع‏.‏

وأما المستوفى به فهو كالثوب المعين للخياطة والصبي المعين للإرضاع والتعليم والأغنام المعينة للرعي وفي إبداله وجهان ويقال قولان أحدهما المنع وأصحهما عند الإمام والمتولي الجواز لأنه والخلاف جار في انفساخ الإجارة بتلف هذه الأشياء في المدة وميل العراقيين إلى ترجيح الإنفساخ وقالوا هو المنصوص والثاني مخرج وسنزيد المسألة إيضاحاً إن شاء الله تعالى في الباب الثالث‏.‏

ويجري الخلاف فيما إذا لم يلتقم الصبي المعين ثديها فعلى رأي ينفسخ العقد وعلى رأي يبدل‏.‏